التخزين الالكتروني للمعلومات أضعف القدرات الفكرية للمستخدم
مع وضوح اعتمادية نسبة مهمّة من مستخدمي الانترنت وبخاصة الشباب على مصادر الانترنت كوجبة معلوماتية ثقافية وفكرية يومية ظهرت أسئلة عديدة تبحث دور الانترنت في صناعة الفكر (المفكر) والثقافة (المثقف). وان راقبت المشهد الفكري قليلا لربما توصلت لتساؤل لا تجد له جواباً عن الدور السلبي (الايجابي) لشبكة الانترنت والخدمات الالكترونية في بناء وتعزيز المعرفة الإنسانية. ومع أن بنوك المعلومات الالكترونية خدمت البشرية بشكل مذهل من خلال تسهيل الحصول على المعلومة السريعة وتقديم الأجوبة إلا أن الخشية من محدودية دور الوسائط الالكترونية في صناعة المفكر والمثقف لها وجاهتها بالنظر إلى الدور التاريخي للكتب والحوارات والمناظرات الفكرية في إثراء الفكر وصناعة المفكر.
من جهة أخرى فقد تبين أن التخزين الالكتروني للمعلومات ومن ثم سهولة استرجاعها ومعالجتها أدت إلى إضعاف القدرات الفكرية للمستخدم فهو من حيث الاستعداد الذهني لا يجد نفسه مضطرا إلى تخزين المعلومات طالما يمكن العودة لها من خلال قناة المعلومات التي تقدمها. وهذا بدوره يفقد الإنسان ميزة بناء تراكم معرفي يمكن أن يؤدي إلى صناعة فكر ما أو ثقافة معينة تحمل صاحبها إلى نادي المفكرين والمثقفين مسلحا بمخزونه المعرفي وقدراته التحليلية التي تظهر في عمق تحليله واطروحاته. وعلى سبيل المثال كان المرء في الماضي يستطيع تذكر أرقام هواتف معظم أقاربه وأصدقائه ويستظهرها عند الحاجة في حين اختفت هذه القدرات أو ضعفت مع ظهور قدرات الهواتف على التخزين والاسترجاع بالاسم أو جزء من الاسم وأحيانا بالصوت. وإذا كان القارئ الجيد إلى حد ما كاتب جيد ومفكر جيد فان مشكلة قارئ الانترنت أنه لا يستمتع بالمعرفة بل يبحث عن المعلومة وسط أمواج المعلومات المتلاطمة. وفي حال كهذه يمكن أن نقول: إن الانترنت ربما تصقل المهارات وتدعم التخصص بتمكين المستخدم من الاطلاع على التجارب الغنية بتنوع الطرح المقدم من كل مكان، ولكنها في مجالات صناعة المفكر الموسوعي والمثقف الناقد غير واضحة حتى الآن.
ومن الأدلة التي ربما تدعم وجهة نظر القائلين بسلبية شبكات المعلومات في مجال صناعة المفكر هو الضعف الفني واللغوي الواضح لكثير من الأعمال الفكرية والروائية والأدبية عموما التي ظهرت من إنتاج (قراء) شاشة الانترنت مطبوعة في الكتب. ومما يزيد من هذه الإشكالية أن ثقافة التقنية تحمل معها السرعة والاختصار وإبراز المعلومة أكثر من تحليلها وفي ناحية الاستخدام فقارئ الشاشة الالكترونية ملول بطبعه يهتم بالشكل ويغريه الاختصار وتتزاحم المعلومات أمامه فيلتقط ما يؤدي غرضه ويعزز اتجاهه دون أن يمحص أو يحلل ما يظهر أمام ناظريه من معلومات يتساوى غثها مع سمينها عرضا وفرصة.